-A +A
طلال صالح بنان
الحرب، في إدارة الصراع بين الدول، خَيار مُكْلِف ومن الصعب توقع نتائجها، وبالتالي: تفادي تداعياتها. لذا من النادر أن يكون خَيارُ الحربِ جذاباً لصانعي القرار، مهما ارتفع سقف توقعاتها. صانعو القرار يترددون أخذ خَيار الحرب، خوفاً من الوقوع في فخ الخطأ في الحسابات، أو حتى مجرد اندلاع الحرب فجأة، وخروج قرار اللجوء إليها عن سيطرة أطرافها.

إذن: الحرب، في كل الأحوال، خَيارٌ لا يصعب اتخاذه، فحسب، بل هو خيارٌ غير مطروحٍ أساساً، من البداية، لتسوية أي خلاف بين الدول، مهما بدت خطورته وحساسيته. إلا أن الحرب إحدى أدوات السياسة الخارجية للدول. مع ذلك الحرب ليست أول الخيارات.. ولا أفضل البدائل، حتى عندما يشتد إغراء اللجوء للحرب لدى أحد أطرافها، نتيجةً لما يبدو من اختلال خطير في ميزان القوى.


في أزمةِ القرم، تظهر هامشية خَيار الحرب، ومن ثَمّ تتراجع أولوية خيارها، لتصبح الحرب خياراً بالغ التكلفة، والإقدام على خوضها بالغ الخطورة. في النهاية: موسكو وكييف، هما المعنيان مباشرةً بذلك النزاع، بوصفهما طرفين مباشرين. إلا أن حالة الصراع هذه، تكتسب زخمًا إستراتيجياً، بوجود أطرافٍ خارجيين، لهم مصلحة إستراتيجية في امتداد نفوذهم بالمنطقة، على حساب الطرف الأقوى في الصراع، مما قد يضفي زخماً، وإن كان ليس حقيقيًا، يمكن التعويل عليه من قبل الطرف الأضعف (أوكرانيا).

روسيا، تاريخياً: حساسة من الناحية الإستراتيجية تجاه جيرانها في الغرب. وجيران روسيا في الغرب، الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، يتوجسون خيفةً من الدب الروسي المتمترس شرق الأورال. منطقة القرم، كانت تاريخياً هي ساحة هذا الصراع التاريخي بين الغرب الأوروبي وروسيا. كان آخر اندلاع عنيف لهذه الجبهة في الحرب الكونية الثانية، عندما شارف النازيون دخول موسكو وتمكنوا من دخول كييف، وكانت كييف مسرح استعادة السوفيت للمبادرة، ودخول برلين. تلك الحرب انتهت باحتلال الاتحاد السوفياتي لأوروبا الشرقية، بما فيها النصف الشرقي من ألمانيا.

اليوم يصعب تكرار سيناريو الحرب الكونية الثانية ولا حروب نابليون ولا محاولات توسع بسمارك شرقاً. ليس بسبب وجود الرادع النووي، لدى روسيا وحلف شمال الأطلسي، فهذا رادع يبدو هامشياً في هذه الحالة. المشكلة تكمن في طرف يريد أن يتشبث بحقوقه التاريخية والإستراتيجية في منطقة ذات حساسية مفرطة لأمنه. وطرف آخر يسعى لتجاوز تلك الحساسية، طمعاً في مكاسب يحصل عليها من قبل حلفاء محتملين، قد تكون لهم أجندتهم الخاصة، التي قد تكون في قاع أولويتها مصالح ذلك الطرف المباشر الأضعف في النزاع.

روسيا لا تريد أن تصعد الموقف، خوفاً من احتمال خوض حرب مع أوكرانيا قد تجتذب أعداءها التاريخيين في الغرب. وأوكرانيا، قد تشعر بعدم جدية حلفائها في الغربِ لنجدتها، إن هي تعرضت لهجوم من روسيا. وحلف الناتو، قد يرى مِنْ مصلحته عدم اشتعال الموقف والتورط في نزاع من المحتمل أن يكون عنيفاً، وقد لا ينتهي لمصلحته.

هذا لا يعني أن الحرب تبدو أكثر جاذبية لروسيا، منه عن أوكرانيا. روسيا قد تحقق أهدافها، برعب التصعيد، لا برعب الحرب. كل ما تريده روسيا البقاء في شبه جزيرة القرم، وابتعاد أوكرانيا عن حلف شمال الأطلسي. وكل ما يريده الغرب علاقات خاصة مع أوكرانيا، مع الابتعاد عن شبح احتمال الاحتكاك المباشر مع موسكو.

الحرب في القرم مرفوضة، من جميع أطرافها المباشرين وغير المباشرين. وتسوية النزاع ستكون في صالح الجميع، بعيداً عن خيار الحرب.